لم تصبنى الدهشة كثيرا ً عند مطالعتى لأولى كلمات مقال لكاتب صحفى ، يفخر فيه بمهاجمته لفكرة بنك الطعام المصرى ووصفها بأنها فكرة سخيفة تبرز إهانة فقراء المصريين ، ووصف إستمرار دعم البنك من الإطعام التموينى الجاف شهريا ً وموسميا ً وتوزيع لحوم الأضاحى على مدار خمس سنوات أو أكثر لصالح الفقراء والمعدمين فى ربوع مصر بأنه تعميق لفكرة التسول بين الفقراء !!
أغرب ما لا يتصوره العقل أن نهاجم مشروعا ً خيريا ً خدميا ً من الدرجة الأولى مبنى على أسس علمية وإدارة مؤسسية ولا نعرف أى ٌ الفئات يخدم؟ ومن هم الطبقة المستهدفة من دعمه ؟ وما هى الإنجازات التى حققها لذلك ؟
القضاء على الفقر لم يكن هدف بنك الطعام المصرى بل أرسى البنك قواعده للقضاء على الجوع فى مصر كأصل من أصول الفقر وأدنى درجاته وتعددت الإحصائيات التى تبرز نسبا ً لا يستهان بها من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر ، فإستهدف البنك هذه الفئة وأختص لنفسه إطعام الجائعين ، فتكفل بإطعام الأرملة التى رحل عنها زوجها وترك لها أطفالا ً أيتاما ً ُقصّر ، لا تعرف أين تذهب بهم ولا أى الطرق تمضى ، والمساكين الذين لا يجدون ملجا ً يأواهم ، والعجزة والمعاقين الذين لا يقدرون على كسب عيش ٍ أو شق طريق ، وكبار السن الذين ليس لهم معاش ٍ يكفى لتحمل آلام المرض المزمن ومواجهة صعوبات الحياة وغلاء الأسعار وصراع الإحتياجات وكثرة السؤال.
أضف إلى ذلك الزيادة السكانية المتفشية فى مجتمعنا ، تلك التى تهدد أمن الحياة الإجتماعية ولها من المخاطر ما يخيف ويستحق الإنتباه ، فلك أن تتصور إلى أين يصير الطفل الذى شرده التفكك الأسرى والظروف الإقتصادية الضنكة لأسرته التى إضطرته للتسرب من التعليم واللجوء إلى تكوين عصابات أطفال الشوارع التى تهدد المجتمع كصورة قبيحة هى فى الأصل نتاج الجوع ، والأمهات اللاتى غرقن فى الديون لتجهيز بناتهن لكى ينعموا بالعفاف والستر ، فكان مصيرهن السجن للتعثر وعدم السداد – فى غياب رب الأسرة الذى أبتلى بحزمة أبناء ٍ فخرج لكسب العيش وطلب الطعام ووقعت الأم رهن الديون ـ بل يصل الأمر بأن تقضى العروس بقية عمرها بين أحضان السجون بعد أن ضمنت ، والدها الذى وافته المنية قبل سداد ديونه من أجل تلفاز أو حتى أوانى الطهى .
بادر بنك الطعام المصرى بمهاجمة شبح الجوع فى كل أنحاء مصر وفق إحصاءاتٍ وأبحاث ودراسات ُتبين أكثر مناطق الجمهورية فقرًا وعلى آثرها توجهت إدارات البنك المنوطة بإختيار وتقييم وتشغيل الجمعيات والمؤسسات الأهلية التى تقوم على مساعدة الحالات الفقيرة المتضررة جوعًا وبحثها ميدانيًا لتحديد إحتياجاتها من الطعام اللازم لسد الفجوة الغذائية موسميًا أو شهريًا ، آخذين فى الإعتبار تجديد البحث والدراسة الميدانية بإستمرار لضمان نسبة الإستحقاق.
لايقف دعم البنك عند هذا الحد ، فبرهنت الحقائق على قدرة بنك الطعام المصرى فى مواجهة خطر الكوارث والنوازل والمفاجآت العصيبة جراء السيول فى العام الماضى 2010 والتى كاد أن يشرد فيها المئات من البشر فى سيناء وأسوان ، وكنا على شفا قاع بئر قد يبتلع قلوب المتضررين بعد أن محى منازلهم وسرق متاعهم وتركهم جوعى فى خلاء الأرض ، لولا القلوب الرحيمة العاقلة من المصريين الذين إلتفوا حول بنك الطعام المصرى ووثقوا فى أدائه وآمنوا به رسالة وهدفا ً نبيلا ً فى إغاثة متضررى السيول ، ووفر لهم الطعام التموينى الكافى لطمئنة قلوبهم – الأمر الذى دعا جموع المصريين لتجديد الثقة فى البنك ودعمه بالأمتعة والمفروشات وأطقم المطابخ وحتى المياة الزجاجية لتقديمها لمنكوبى السيول ، وغيرها من المواقف الإنسانية الحساسة التى لا يتنظر فيها الوقوف عند حد التعاطف أو رقة القلب أو النظرات الملئى بالشجن.
يحسب لبنك الطعام المصرى إحترامه لآدمية وكرامة المحتاج من أبناء هذا الوطن فلم يستغل فى برامجه الإعلانية أو التسويقية ظروف المحتاجين وإستثمارها للضغط على المجتمع ، ويحسب له أيضا ً تمسكه بمصريته التى لا يقبل بها أى أسلوب لطلب العون من جهات أجنبية مهما كانت ، حتى يضرب المثل الأعلى للوطنية التى تعطى الحق للمصرى من أخيه المصرى دون فضح أو تشهير .
وأخيرا ً فشرف لبنك الطعام المصرى أن يبادر هو فى التصدى للقضاء على الجوع فى مصر ويكسب إطمئنان قلوب المحتاجين - الذين يدعون له الله ليل نهار بالبقاء ، الله الذى أطعمهم من جوع ٍ وآمنهم من خوف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق